مقالات طبية

علاج مبهر لمرض السكري من النوع الأول

استغرق الأمر 30 عامًا ومئات الملايين من الدولارت

نجح علماء أمريكيون في التوصل لعلاج جديد لمرض السكري من النوع الأول، يعتمد على الخلايا الجذعية التي تفرز الانسولين.

وأظهر العلاج الجديد نتائج مبهرة لمرضى السكري من النوع الأول، وذلك بعد تجربة أجرتها Vertex Pharmaceuticals مطلع العام الجاري.

وقامت الشركة بتجريب علاج طورته على مدار عقود عن طريق عالم تعهد بإيجاد للسكري الذي دمر ابنه وابنته الصغيرين.

ونجحت التجربة في تنمية خلايا جذعية تنتج الأنسولين، وهي الخلايا التي يفتقر له جسم المصاب بالسكري.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن اجسام المرضى الذين خضعوا للتجربة تتحكم حاليًا في مستوى الأنسولين والسكر في الدم.

ونقلت الصحيفة عن أحد من خضعوا للتجربة، ويدعى براين شيلتون، قوله إنه يعيش حياة جديدة تمامًا، مضيفًا “إنه تبدو كمعجزة”.

ورغم دهشة الخبراء من النتائج التي توصلت إليها التجربة إلا أنهم حذروا من أن الدراسة سوف تستغرق خمس سنوات.

وتشمل الدراسة 17 شخصاً يعانون إصابة حادة من السكري من النوع الأول، ولن تكون الدراسة معنية السكري من النوع الثاني، وهو المرض الأكثر شيوعاً.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن إيرل هيرش، الخبير في جامعة واشنطن، أن العلماء كانوا يبحثون عن هذا الشيء لعقود.

لكن هيرش، قال إنه يريد أن يشاهد النتائج بنفسه لمعرفة ما إذا كانت هناك تداعيات ضارة غير متوقعة، لأنه لم يكن مشاركًا في التجربة.

وأوضح هيرش أنه يريد أن يتأكد إن كانت النتائج الأولية التي أبهرت العلماء ستستمر مدى الحياة وإن كانت هناك حاجة لتكرار العلاج أم لا.

كيف نقلل السكر والوزن معًا؟ إليك هذا النظام الغذائي

معجزة على كل حال

وعلى الرغم من ذلك، أقر هيرش في النهاية بأن ما حدث كان أمرًا مذهلًا.

الطبيب بيتر بتلر، وهو خبير أمراض السكري في جامعة كاليفورنيا، أبدى نفس المخاوف بشأن التجربة، لكنه قال أيضًا إن النتائج رائعة في نهاية الأمر.

وأضاف بتلر أن نجاح إعادة إنتاج الأنسلوين في الجسم عن طريق الخلايا المفقودة يعتبر معجزة في كل الأحوال.

واعتبر بتلر الأمر مشابهًا لمعجزة اكتشاف الأنسولين نفسه قبل مئة عام.

بدأت التجربة قبل 30 عاماً عن طريق العالم في جامعة هارفادر، دوغ ميلتون، الذي لم يكن يهتم لداء السكري، قبل أن يصاب طفله به سنة 1991.

وقال ميلتون إن المرض يحدث عندما يدمر الجهاز المناعي للجسم خلايا البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الأنسولين، وغالبًا ما يكون ذلك في سن الـ13 أو الـ14 عامًا.

وغالبًا ما يكون السكري من النوع الأول مرضًا قاتلًا ما لم يتلقى المريض إبر الأنسولين، ولا يمكن للمريض أن يتحسن تلقائيًا، وذلك على عكس النوع الثاني من السكري الأكثر شيوعاً.

كما إن السكري من النوع الثاني يتسبب أحيانًا في الفشل الكلوي وفقدان البصر، وربما يتعرض المرضى لبتر أرجلهم أو الموت فجأة خلال النوم في حال تراجع نسبة الأنسولين بالجسم.

ويزيد السكري أيضًا من احتمالات الإصابة بسكتات دماغية أو قلبية فضلًا عن أنه يضعف جهاز المناعة.

وجاء الإعلان عن العلاج الجديد في وقت تتصاعد فيه أسعار الأنسولين سنويًا تقريبًا.

ورغم أن هناك طريقة أخرى للعلاج عن طريق زرع بنكرياس أو زرع الخلايا المنتجة للأنسولين من أحد المتبرعين بالأعضاء إلا أنها طريقة شبه مستحيلة بالنظر إلى النقص الشديد في التبرع بالأعضاء.

الدكتور علي ناجي، جراح الأعضاء في جامعة بنسلفانيا، وهو المشرف على التجربة الجديدة، قال إنه من المستحيل توفير أعداد كافية من المتبرعين بالبنكرياس لصالح مرضى السكري، حتى لو كنا نعيش في المدينة الفاضلة.

وقال الدكتور ميلتون إن تحويل الخلايا الجذعية إلى خلايا جزيرية منتجة للأنسولين استغرق 20 عاماً و50 مليون دولاراً.

الدكتور دوغ ميلتون، مبتكر العلاج الجديد للسكري من النوع الأول
الدكتور دوغ ميلتون، مبتكر العلاج الجديد للسكري من النوع الأول

كانت النقطة الأصعب في التجربة هي معرفة تسلسل الرسائل الكيميائية التي ستحيل الخلايا الجذعية إلى خلال جزيرية منتجة للأنسولين.

وتم ذلك عن طريق معرفة آلية تطور البنكرياس وكيفية تكون الخلايا الجزيرية فيه، وقد جرت تجارب لا نهائية لتوجيه الخلايا الجذعية الجنينية لأن تتحول إلى خلايا جزيرية.

لقد مضت سنوات طويلة من التجارب الفاشلة، لكن في واحدة من ليالي العام 2014، كان فريق صغير من الباحثين يجري تجربة جديدة.

تقول فيليسيا باغليوكا، وهي واحدة من أعضاء الفريق، إنهم لم يكونوا متفائلين على الإطلاق، وقد وضعوا صبغة في السائل، ليروا بعدها مسحة زرقاء باهتة.

إن تحول السائل إلى اللون الأزرق يعني تحول الخلايا الجذعية إلى أخرى جزيرية؛ لأن الخلايا ستكون أنتجت الأنسولين، كما تقول باغليوكا.

لم يستغرق الأمر وقتًا حتى بدأت السحابة الزرقاء في التحول إلى لون أكثر قتامة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي ينحوا فيها التوصل للنتيجة المأمولة.

ومع الوقت تطورات النتائج، وواصل الفريق العمل على الوصول إلى خلايا جزيرية منتجة للأنسولين بشكل كامل.

تقول باغليوكا إنهم كانوا يأملون في الوصول إلى اللون الأرجواني، لكنهم ظلوا متوقفين عند اللون الأخضر.

في 2014، أسس الدكتور ميلتون شركة يمكنها تسويق الدواء المأمول، وقد اطلق عليها اسم “سيما”، وهو مزيج من اسمي ابنيه اللذين ضربهما المرض (سام، إيما).

وكان التحدي الأكبر هو الوصول إلى الطريقة التي يمكن من خلالها زراعة الخلايا بكميات كبيرة حتى يتسنى تكرار الأمر في كل الدول لمواجهة المرض.

النتائج الأولية أثبتت نجاحًا مبهرًا في إعادة إنتاج الجسم للأنسلوين
النتائج الأولية أثبتت نجاحًا مبهرًا في إعادة إنتاج الجسم للأنسلوين

المرحلة الأصعب

بعد خمس سنوات من العمل، نجحت التجربة على القوارض، وأصبح الأمر بحاجة إلى تجارب سريرية على البشر، فضلاً عن تمويل ضخم وموظفين كثر، والتزام بالضوابط الصارمة لهيئة الغذاء الدواء الأمريكية.

لقد قدموا آلاف الوثائق، وفي العام 2019، نجح ميلتون في التوصل لصفقة استحوذت بموجبها شركة فيتراكس على سيما، مقابل 950 مليون دولار.

وبعد أقل من عامين، حصلوا على حق إجراء تجارب سريرية من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية.

وكانت النقطة الفاصلة هي نجاح إنتاج الخلايا للأنسولين في كل مرة يتم حقن المريض فيها بهذه الخلايا، فضلًا عن ضمان سلامة المريض نفسه.

على الرغم من ذلك، يتعين على المريض تناول أدوية مثبطة للمناعة حتى لا يتخلص الجسم من الخلايا المزروعة وهو أمر يراه المرضى أقل خطرًا من المتابعة اللانهائية لمستويات السكر في الدم.

لكن خبراء يقولون إن الأمر بحاجة لمقارنة المخاطر المحتملة لنقص الأنسولين لدى المرضى، بتلك التي قد تترتب على تعاطيهم أدوية تثبيط المناعة لفترات طويلة.

وخلال نوفمبر الماضي، كانت شركة فيتراكس التي تولت مسؤولية إتمام العملية على موعد لعرض النتائج على الدكتور ميلتون، الذي بدأ المغامرة قبل 30 عامًا.

لم يكن مليتون الذي أمضى عقودًا على أمل تحقيق المستحيل، يتوقع الكثير كما تقول نيويورك تايمز.

لكن مع نهاية العرض التوضيحي النهائي للتجارب، كانت الابتسامة العريضة على وجه الدكتور ميلتون، تحمل الإجابة التي انتظرها 3 عقود: لقد كانت النتائج مثالية والفكرة حقيقية.

لحظة الحقيقة الأخرى، جاءت للمريض شيلتون، الذي أحيل للتقاعد المبكر قبل سنوات بسبب مخاطر السكري من النوع الأول، ثم خرج من المستشفى بعد إنهاء التجربة.

شيلتون توقف تمامًا عن تناول الأنسولين ووصعه الصحي مثالي
شيلتون توقف تمامًا عن تناول الأنسولين ووصعه الصحي مثالي

لقد توقف شيلتون عن تناول إبر الأنسولين، وعندما قام بقياس نسبة السكر في دمه، وجدها مثالية تمامًا.

ولم تعلن الشركة عن السعر النهائي للمنتج، لكن من المتوقع أن يكون باهظ الثمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى