مقالات

كيف نستغل الندم لتحسين حياتنا؟

كشفت دراسة حديثة أن الندم قد يكون مفيدًا في تحسين حياة الإنسان، وأنه يحل في المرتبة الثانية بعد الحب، في قائمة أكثر المشاعر التي يتناولها البشر في أحاديثهم اليومية. فكيف نستغل الندم لتحسين حياتنا؟

لا توجد حياة بلا أخطاء ولا يوجد إنسان واحد على وجه الأرض لم يشعر بالندم. الخطأ والندم حاضرين في حياة كل البشر منذ الأزل وسيظلان؛ لأنه لا يوجد إنسان لا يتخذ قرارًا واحدًا خاطئًا في حياته.

هذه القرارات الخاطئة أو السلوكيات غير السليمة تصيبنا بالحزن وربما الندم لفترة ليست قصيرة، بل إن البعض قد يعيش رهينة الندم، الذي قد يفسد عليه حياته كلها.

من الناحية العملية، فإن الندم عبارة عن طريق تدفعك بها دماغك لإعادة التفكير في أمر ما أو خيار ما. وهو لا يعني أبدًا تغيير ما حدث؛ لأنه حدث بالفعل، وإنما يحثنا على محاولة تغيير المستقبل؛ لأن هذا هو الأمر الممكن.

يقول الباحثون إن الندم كان نصيب كبير من التأثيرات السلبية التي تنال من مزاج الإنسان والتي تؤثر بشكل واضح على نومه وربما تدفعه نحو تناول الطعام بشكل زائد عن اللازم، إضافة إلى احتمال إساءة استخدام المنشطات.

بعض الناس يتظاهرون بأنه يندمون على أي شيء؛ لأنه لا يرون شيئًا يستحق الندم. في الواقع، يحاول هؤلاء إيجاد طريقة للهروب من الأزمة وتجاوز مشاعر الخجل أو الغضب أو الحزن أو الشعور بالذنب، وربما يحاولون البحث عن طريقة ما لتصحيح ما أفسدوه.

لكن حتى الشعور بالألم، يقول العلماء، قد يكون دافعًا نحو الصواب، وربما يتحول إلى طاقة كبيرة للإلهام ونافذة واسعة على نجاح غير متوقع.

السؤال هو: كيف يمكن ذلك؟ كيف يتحول الندم من عدو إلى صديق؟ ومن حاجز كبير إلى دافع أكبر؟ هنا سنشرح لك كيف نستغل الندم لتحسين حياتنا، بدلاً من منحه فرصة تدميرنا.

اكتب إخفاقاتك وما الذي تعلمته منها

قد لا يكون تدوين الأخطاء التي وقعنا فيها أمرًا ممتعًا لكن العلماء يقولون إنه أمر جيد ويستحق القيام به؛ ليس فقط لأنه مفيد، وإنما لأنه لا مفر من فعله إذا كنا نريد استغلال الندم كحافز وليس كمعوق.

عندما تكتب ما وقعت به من أخطاء ستضع قدمك على أول طريق تحفيز نفسك نحو المضي قدماً في الاتجاه الصحيح.

تينا سيليغ، الأستاذة في جامعة ستانفورد، هي التي أوحت بهذه الفكرة ونصحت وما تزال تنصح بها.

“عليك تدوين إخفاقاتك اليومية الشائعة في خانة واحدة، ثم تدوين ما الذي تعلمته من كل خطأ إلى جواره، وفي جملة واحدة”، تقول سيليغ.

عندما تقوم بهذا الفعل، ستجد أن أنواعاً معينة من التفكير هي التي تأخذك نحو الوقوع في الخطأ. وستكتشف أن المواجهة المباشرة مع الأخطاء ستحولها إلى وسيلة لكسب مزيد من المعرفة.

إضافة إلى ذلك، فإن رؤية الشخص لنفس الخطأ الذي يقوم به يوميا أو بشكل متكرر وبنفس الطريقة تقريباً، ستمنحه فرصة التعرف على سبب وقوعه في هذا الخطأ بشكل دائم. ستوضح له الأشياء التي إن لم يفعلها فإنه لن يقع في نفس الخطأ مرة أخرى. الأمر أشبه بالنظر يوميًا في صورة ما من أجل اكتشاف الشيء غير الصحيح فيها.

كما إن تدوين الأخطاء والدروس المستفادة منها، ربما يكشف لك أنك فعلت كل ما يمكنك فعله، وأنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وهذا أمر مهم لتخفيف الشعور بالتقصير، كما يقول دان بينك في كتابه الحديث “قوة الندم”.

لا تتجاهل الندم ولا تحاول الهروب منه

يحاول أغلب الناس الابتعاد عن الندم أو الهروب منه غير أن الأبحاث كشفت استحالة هذا الأمر. لا يمكنك أبدًا الهروب من مشاعرك أو تجالها أو حتى سحقها؛ ولو تمسكت بهذا الأمر فستكون له عواقب على حياتك.

محاولة الهروب من الندم أو تفاديه أو قهره سيجلعه حاضراً بشكل أكبر في حياتك؛ لأن محاولات الهروب منه تجعله حاضرا بشكل مستمر في ذهنك. وقد يكون هذا سبباً في تراجع مستوى السعادة وربما ينعكس في شكل مشاكل صحية.

عليك أن تتعلم كيف تخوض التجربة بدلاً من الهروب منها، فكر في قبول مشاعرك والتعامل معها بشكل إيجابي قدر المستطاع، دون أن تغرق في بحرلا نهاية له من الأسف على ما فات.

في العام 2014، قالت دراسة علمية إن الغرق في الأسف على الأشياء يقلل قدرة الإنسان على اتخاذ قرارات سليمة، وإن التركيز على المشاعر السلبية ربما يكون سبباً في هدم قدراتك.

وقال العلماء إن التفكير بطريقة إيجابية في أخطاء الماضي قد يساعدك على التفكير بشكل أكثر صوابية ووضوحًا.

تحدث مع نفسك كصديق

ينصح العلماء بتكرار جملتين أساسيتين هما: “بإمكاني رؤية الأشياء من منظور آخر مختلف” و”لا توجد تجربة بلا إيجابيات”. وقد أكدوا مجددًا على أن الندم ربما يكون أحد أكبر العوائق أمام التفكير الصحيح.

عندما تتذكر فائدة واحدة حصلت عليها من موقف سيء أو سلوك مثير للندم فإن ستجمع العديد من الأمور الإيجابية التي وجدتها في المرات التي كنت فيها مخطئا. هذه المجموعة من الأمور الجيدة ستكون عاملاً مساعداً لك مستقبلاً.

التركيز في الجوانب الإيجابية من تجاربنا الخاطئة قد يقلل الآثار السلبية لها ويمنحنا قائمة طويلة من الإيجابيات.

في استبيان شمل 400 طالب بجامعة كاليفورينا، وجد الباحثون أن العطف على النفس وليس تأنيبها كان من بين أكثر الأمور التي حفزت على النجاح والتكيف الإيجابي مع الأخطاء، ويعلمنا كيف نستغل الندم لتحسين حياتنا.

وكشف الدراسات أن التعاطف مع النفس كان سبباً في تحسين الشخصية بشكل أكبر عبر رفع مستوى قبول الشخص لذاته، مع الإشارة إلى أن التسامح مع النفس لا بد وأن يكون مقترنًا بمعرفة مكامن الخطأ لمعالجتها.

لا تترك الندم يجتاحك

تقول نيل روز، أستاذ التسويق بجامعة نورث وسترن، إن الندم قد يتحول إلى مشكلة كبيرة، لكنه قد يساعدك أيضاً على تحسين نفسك إن تمكنت من اقتناص الجوانب الإيجابية فيه.

لكن روز تشدد على ضرورة تجنب الهوس بالندم والتركيز على استخلاص الدروس، بحيث لا يتحول الندم إلى هدف في داته بحثاً عن مستقبل أفضل. الندم لا بد أن يظل وسيلة طوال الوقت.

عليك أن تتعلم من أخطاء التجارب السابقة دون الإبقاء على دوامة الندم والتفكير فيما كان بشكل لا نهائي. لا  تهدر طاقتك طوال الوقت في العودة لما كان وما كان عليك القيام به؛ لأن هذا لن يعيد الزمن إلى الوراء.

الأفضل أن توفر هذه الطاقة لمراجعة الأخطاء من أجل تجاوزها واستجلاء دورسها وليس من أجل البقاء بداخلها كالسجين. في الأخير، عليك مغادرة كل التجارب السيئة بأقل خسائر ممكنة وأكبر فوائد.

يجب تحويل الندم إلى عامل تنمية

عندما نشعر بندم عميق فإننا نستخدم مشاعرنا كنقطة انطلاق لمعرفة ما هو بالنسبة لنا. وعلينا التركيز على القيم التي نؤمن بها؛ كأن تحاول التمسك بالبقاء مهذبا ولطيفا أكثر من تمسكك بأنك على حق دائما وفي  كل شيء.

تقول جينيفر تايتنز، أستاذ الطب النفس بجامعة كاليفورنيا، إن التركيز على الأضرار التي وفعت لن يفيد في شيء ولن يغير ما حدث، وإن الأهم هو محاولة فهم الأخطاء لتنمية الشخصية بطريقة أفضل.

إذا كان الجدال مع مديرك بطريقة معينة قد أضاع عليك فرصة عمل مهمة، عليك ألا تفكر للأبد في هذا الفرصة التي لا تعوض، لأنها لن تعود. لكن عليك تحديد الطريقة الأفضل للتعامل مديرك أو مع مدير آخر، بحيث لا تضيع فرصة أخرى قادمة، قد تكون أفضل بكثير من تلك ضاعت.

البحث عن حلول عملية

ينصح العلماء بوضع قائمة للأخطاء الكبيرة والصغيرة. والقيام بعملية عصف ذهني لإيجاد حلول علمية لهذه الأخطاء؛ لأن العلاج الحقيقي والحاسم لأزمة الندم هو عدم الإفراط في التفكير من أجل التفكير.

الهدف الحقيقي من التفكير في الأخطاء هو البحث عن حلول واستخلاص المعارف والاستفادة من خبراتك التي حصلت يمكنك التوصل لها عبر عملية التأمل في الماضي، كما تقول تايتنز.

الإخصائية النفسية كاتريونا وروتيسلي، أيضأ تقول إن المحاولة جزء مهم، وإن التعامل مع الندم كطريقة لاكتشاف الطرق الصحيحية للقيام بالأشياء، هو الأصل في تحويل هذا الشعور القاتل إلى حافز للنجاح. عليك أن تفعل كل ما تستطيع فعل إصلاح ما تسببت فيه من أضرار، وليس فقط مجرد التفكير في هذه الأخطاء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى